نشرت منظمة التربية والثقافة والعلوم “اليونيسكو” عددًا من المؤشرات العامة عن تاثير فيروس “كوفيد-19” النسخة الأحدث من كورونا؛ على تعطل الدراسة ببلدان العالم؛ مما أثر على 80% من طلاب العالم، بواقع نحو 1.37 بليون طالب بعد إغلاق مدارسهم المحلية واضطرارهم للعزلة في منازلهم خشية تفشي الوباء، ما دفع حكوماتهم لإيجاد حلول عبر منظومة التعلم عن بعد (distance learning) ودفع الناشئة وعائلاتهم ومعلميهم للتكيف معها.
وبعد أن أصبح 3 من كل 4 طلاب حول العالم يفتقد للتعلم المدرسي بفعل الوباء؛ في لقاء نحو 60 مليون معلم خارج فصولهم من 138 دولة؛ فقد فكرت اليونيسكو في تحالف دولي لدعم التعلم عن بعد وتبادل خبراته لمزيد من تكيف المجتمعات نفسيا ومعنويا وتقنيا مع ذلك التحدي في التعليم.
لقد تنبهت المجموعة المتحدة للتعليم مبكرًا ومنذ 1997 لأهمية التعلم الرقمي مدى الحياة، ونشرت عبر فروعها المنتشرة في 20 دولة مبادرات جادة لرقمنة المناهج ومزاوجتها بالمعارف وإتاحة التدريب الرقمي للمعلمين وتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، وصولًا للتعلم الافتراضي، عبر منصّات رقمية ووفق أحدث المعايير الدولية المعتمدة.
في السطور التالية نستعرض تجارب عدد من بلدان العالم مع تحدي التعليم عن بعد؛ والذي فرض نفسه فجأة وبدون مقدمات بسبب فيروس كورونا..
التعلم السحابي في الصين (Cloud Learning)
صيحة التعليم الإليكتروني عن بعد بديلا للتعلم التقليدي، تبنتها الصين في البداية باعتبارها منشأ فيروس كورونا؛ فبحسب مجلة “ام أي تي تكنولوجي ريفيو” فقد أطلقت منصة مخصصة للتعلم السحابي تحتوي على المناهج المخصصة لكل مرحلة تعليمية، وتستهدف نحو 180 مليون طالب صيني، ويتم بثها عبر التليفزيون الصيني في المرحلة الأساسية ثم تُقدم عبر المنصّات الإلكترونية في المرحلتين المتوسطة والثانوية.
وقامت الحكومة الصينية بتوظيف أكبر ثلاث شركات اتصالات وتكنولوجيا في الصين لهذا الغرض لتوفير 90 تيرابايت من سعة الاتصال و70 مخدّما مكرسا لمنصات التعليم متاحة لاكثر من 50 مليون طالب، بحسب تليفزيون الصين المركزي.
أوروبا تواجه التحدي
خبيرة التعليم الرقمي بمعهد “mmb” في مدينة إيسن الألمانية يوليا هنزه عبّرت في تصريح صحفي عن عدم نجاح الأمر في البداية. فبحسب قولها تُعد ألمانيا من أسوأ الدول الأوروبية في مجال التعليم الرقمي. وتضيف بالقول: “توجد بالطبع العديد من المحاولات للحاق بالركب الآن، لكن لن ينجح الأمر في هذا الوقت القصير حيث إننا لم نكن مستعدين منذ البداية كدول أخرى مثل فنلندا وإستونيا والسويد وغيرها”!.
وتعد إستونيا الأولى أوروبياً في مجال التعليم الرقمي. فالمدارس هناك بدأت منذ تسعينات القرن الماضي في تطبيق هذا النظام حتى صار كل ما يرتبط بالعملية التعليمية مثل الواجبات المنزلية وتوزيع العلامات يحدث عبر نظام مركزي رقمي لجميع المدارس.
بحسب موقع إذاعة “دويتش فيله”: يقول كارل، وهو طالب بالصف العاشر في الـ 16 من عمره ويدرس في إحدى مدارس برلين، تصريحا صادما إذ يؤكد: “معظم المعلمين في مدرستنا يتنفسون الصعداء عندما يستطيع أحدنا توصيل الحاسوب الخاص بهم بشاشة العرض في الفصل لأنهم لا يعلمون كيف يوصلونه بأنفسهم”!!.
التليفزيون بموازاة الإنترنت
وتقوم جميع البلدان، باستخدام قنوات التلفزيون العامة لتقديم دروس إلى الطلاب من جميع الأعمار ودورات تدريبية للمعلمين، وذلك إلى جانب استخدامها للمنصات الافتراضية.
وقال الوزير المكسيكي، استبان موكتزوما برغان -في تقرير اليونيسكو-“إن 60 في المائة فقط من الطلاب يمكنهم الاتصال بالإنترنت، لذلك علينا تقديم مزيج من التعليم عن بعد والتعليم بواسطة قنوات التلفزيون المفتوحة حتى نصل إلى جميع الطلاب”، وأضاف قائلاً أن بلاده تدرس استراتيجيات تخوّلها الوصول إلى الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة.
تجارب المعلمين في أمريكا
بحسب شبكة “إن بي سي نيوز” الأمريكية، فإن المعلمين في ولايات أمريكا اضطروا – بغض النظر عن مدى جاهزيتهم- لقيادة أكبر تجربة في التعليم عبر الإنترنت، وهو ما وصفه تيم بريتلي، رئيس جمعية التعليم بـ”القفزة الهائلة”.
وقال كيث كروجر، الذي يرأس منظمة لقادة التكنولوجيا في المدارس، إن نقل التعليم عبر الإنترنت هو مشروع ضخم. وأضاف: لا يمكنك ببساطة أن تفرقع أصابعك وتجزم بأن التعليم الافتراضي أصبح متاحا للجميع؛ فالأمر كان يستلزم تخطيطا تدريبا ووقتا، وهو ما لم تمنحه اللحظة العصيبة مع وباء كورونا حين ألزم الجميع بالعزل، مع ذلك تمكن المعلّمون من بعض التدريبات على استخدام جوجل المستندات، واللقاءات الحية عبر منصات “فيديو كونفرانس”.
وقالت إحدى الأمهات أن ولدها يشعر بحماسة إزاء هذا الشكل من التعليم العصري، والصوت اللايف الذي يرسله له المعلم مصاحبة للدرس، وأنه يحل واجبه اليومي ويرسله عبر الإنترنت أيضا، ليس هذا فحسب بل إن ولدها الأصغر في عمر الحضانة قد أصبح يفعل الشيء نفسه وتلقى فيديوهات ترحيبية وألعابا تفاعلية وهذا أفضل المتاح حاليا.
وقال كروجر من اتحاد شبكات المدارس التكنولوجية؛ أن “جبلا لا يزال يحتاج من الجميع صعوده لتخطي عقبة توصيل المعارف لمنازل الطلاب بنفس الفاعلية”؛ بالرغم من أن نصف مدارس الولايات المتحدة تمتلك حاسوبًا بالفعل لكل طالب، ولكن لا يمكن ضمان تمكن كل طالب من فتح الكاميرا الرقمية واستخدامها وفعل كل ما تقوم به الفصول التقليدية؛ ويمكن اعتبار النظام المدرسي الجديد بمثابة أرضا مجهولة فعليا.
واعتبر برين كلينوس؛ معلم أمريكي، أنها عملية فوضوية قليلا ولكنها تنطوي على مرح كذلك، ومن بين الصعوبات ضبط عملية الحضور والالتزام والفهم والتقييم.كما يلفت معلم آخر إلى مدى معاناة طلاب بعينهم من عينة ذوي الإعاقات البصرية بدرجاتها.
وتعد تلك الوسيلة بحسب إحدى معلمات روضة الأطفال وتدعى جيني وود “أفضل من لا شيء” لكنها لا يمكن تصور الاعتماد عليها منفردة طيلة 6 سنوات مثلا؛ بدون ادوات تعليمية ملموسة ويحدث فيها تفاعل حي مع الصغار داخل الفصول في ظروف طبيعية؛ وأضافت أنها مع ذلك تسعى لقراءة القصص بصوت عال وتبثه لطلابها وتفعل الكثير لتفاعلهم معها عبر الأغنيات والرسم وما شابه.
ويبدي “بريتيل” أسفه من انه ليس كل الطلاب يمتلكون في الواقع رعاية أبوية أو وسيلة للوصول للإنترنت والتعلم بسهولة؛ وبعضهم يشكل له ذلك ضعطا هائلا؛ ولهذا تظل مشكلة التعلم عن بعد حتى الآن أنه لا يزال مثلا صارخا لغياب المساواة بين المتعلمين!
التواصل الاجتماعي لمزيد من التفاعل
وقد أكدت وزيرة التعليم الإيطالية، لوشيا أزولينا، والتي تعد بلادها الأكثر تضررا جراء كورونا أنه: “ليس بوسعنا التعويض عن حضور المعلمين وعن العلاقات التربوية، ولكننا لا نملك الخيار” مؤكدة أنهم يستخدمون التواصل الاجتماعي للمحافظة على العلاقة بين المعلمين والطلاب وتحفيزهم، وأعلنت إيطاليا عن صرف مبلغ 85 مليون يورو لدعم تعلّم 8.5 ملايين طالب عن بعد، ولتحسين الاتصال بالإنترنت في المناطق المعزولة.
شبكات التواصل تستخدمها كذلك كوستاريكا –بحسب تصريح وزيرها في اجتماع اليونيسكو- لإرسال خطط يومية للقراءة إلى الطلاب والأهل، ولكي تطلق تحديات للطلاب لإعداد حملات هدفها احتواء انتشار الجائحة.
كذلك إيران والتي تستخدم مثلث يربط المعلم والأهل والطلاب اجتماعيا، عبر نشر الدروس الافتراضية .
أما كرواتيا فمنحت المعلم الأولوية بإعداد برامج موجهة تزيد شعوره بالأمان ضمن البيئة الرقمية.
وقامت البيرو بترجمة المحتوى إلى 10 لغات من لغات الشعوب الأصلية، وأعدت مواد لزيادة تضامن الطلاب في عزلتهم مع المناهج.
أما نيجيريا فإنها تستخدم التكنولوجيا للوصول إلى الفتيات والنساء اللواتي تركن المدرسة في المنطقة الشمالية الشرقية من نيجيريا،حسب تقرير صادر عن اليونيسكو.
العالم العربي. . ربّ ضرة نافعة
أعلنت العديد من الدول العربية عن مباشرة خطة التعلم عن بعد في مواجهة تعطيل الدراسة لمواجهة فيروس كورونا، ومن أمثلة ذلك – بحسب مجلة تيكنولوجي ريفيو- التجربة الإماراتية والمصرية صاحبتا الريادة في المنطقة وسنشير لجاهزية كل منهما.
وجرى في الكويت اعتماد بوابة تعليمية لتأمين متابعة الطلاب لتحصيلهم العلمي، وفي فلسطين أُعلن انه سيتم تصوير الدروس وبثها أون لاين وعبر الراديو والتليفزيون، وفي الأردن كذلك تم تفعيل منصة “نور سبيس” لتعويض الطلاب خلال فترة الانقطاع عن الدراسة، وفي الجزائر تم تبني مبادرة شبيهة، وتم استخدام منصات جوجل كلاسروم لتحقيق هذا الغرض في لبنان، وتبنت البحرين بوابة إليكترونية للتعلم عن بعد على مواقعها عبر مودل .
وكانت تصريحات المسئولين العرب مرحبة تمامًا بصيحة التعليم عن بعد التي جرى تطبيقها على عجل، ومنهم الدكتور عمرو طلعت وزير الاتصالات المصري والذي عبّر عن ذلك في حديث تليفزيوني بقوله: “رب ضرّة نافعة؛ وإذا كنا نريد تعليمًا جيدًا لأبنائنا فلا بديل عن المنصّات الرقمية ومزجها بالتعليم التقليدي”، فيما عبّر وزير التربية والتعليم طارق شوقي عن حصاد مصر لثمرة العمل سنوات ضمن مبادرة الدولة لـ”التعلم عن بعد”.
وتابع الوزير أن “مصر تعتبر أول دولة على مستوى العالم تلجأ الى منصة تواصل بين طلاب المدارس والمدرسين بسبب فيروس كورونا.
وقد وفّرت مصر مكتبة إلكترونية بجانب بنك المعرفة المصري “EKB” لمساعدة الطلاب على المذاكرة عبر وسائط متعددة (فيديو، صور، أفلام وثائقية) تضم مختلف المناهج باللغتين العربية والإنجليزية،وأكثر من 80 قاموسا وكتب موسوعة الفراشة، كما يوجد أيضًا محتوى متعدد لنظام التعليم الجديد (2.0)”.
وفي الإمارات، قال محمد بن رشاد: «استثمرنا لمدة 10 سنوات في التعلم الذكي، واليوم نجني الثمرة لدينا أنظمة ذكية في مدارسنا، وبنية تحتية متكاملة، ولدينا منصة «مدرسة» أيضا التي تضم آلاف الدروس التعليمية العلمية الجاهزة لجميع المراحل ».
ومن بين أبرز نماذج العالم العربي نجد منظومة المملكة السعودية التي اُعلن عنها بعد 10 ساعات فقط من قرار توقف الدراسة؛ وقد أتاحت طرقا لتنفيذ “المدرسة الافتراضية”، بينها بوابة “عين” الإثرائية عبر موقع “يوتيوب”وبوابة المستقبل، بالإضافة إلى منظومة التعليم الموحد.
10 خطوات توصي بها اليونيسكو
دعت منظمة اليونيسكو لتبني التعلم عن بعد واعتماده في بلدان العالم بعد تفشي فيروس كورونا، ونشرت المنظمة توصياتها مؤخرًا حول كيفية حل عقبات التعلم عن بعد في ظل تفشي فيروس كورونا حول العالم، وتتمثل تلك النقاط في:
1- استخدام حلول التقنية العالية والمنخفضة استنادًا إلى مصادر الطاقة المحلية واتصال الإنترنت والمهارات الرقمية للمعلمين والطلاب، للوصول لإمكانية إتاحة التعلم الرقمي المتكامل عبر منصّات تشمل دروس الفيديو، ومراكز البرامج الإذاعية والتلفزيونات، إلى البث عبر أجهزة الراديو والتلفزيونات.
2- ضمان وصول الطلاب لبرامج التعلم عن بُعد؛ بمن فيهم ذوي الاحتياجات الخاصة والفئات المنخفضة الدخل؛ ويمكن لمن لا يمتلك أجهزة حاسب ان تتوفر له فرصة زيارة مختبرات الكمبيوتر والمتصلة بالإنترنت.
3-الرجوع للمنصات التي تحمي خصوصية البيانات أو الموارد التعليمية عند مشاركتها مع مؤسسات أو أفراد آخرين. .
4- إنشاء مجتمعات محلية لضمان التفاعلات البشرية المنتظمة، وتمكين تدابير الرعاية الاجتماعية، ومواجهة التحديات النفسية التي يجدها الطلاب نتيجة عزلتهم والحجر الصحي في وقت تفشي فيروس كورونا.
5- تخطيط جدول الدراسة لبرامج التعلم عن بُعد. ويشمل ذلك مناقشة الأطراف المعنية لدراسة المدة المحتملة لإغلاق المدارس وتحديد ما إذا كان برنامج التعلم عن بعد ينبغي أن يركز على تدريس معرفة جديدة أو تعزيز معرفة الطلاب بالدروس السابقة. وينبغي تجنب مناهج الدراسة التي تستلزم الاتصال وجها لوجه لفهمها.
6- تقديم الدعم وتنظيم دورات تدريبية أو توجيهية موجزة للمعلمين والآباء أيضاً، إذا دعت الحاجة مع الدروس التقنية مثل كيفية تصوير مقطع فيديو وبثه المباشر عبر الإنترنت.
7- مزج الأساليب والمنصات الحديثة في حزمة واحدة لا تتطلب مجهودا لمتابعتها أو سعات تخزينية أو سرعات غير متاحة من الإنترنت لتحميلها وعرضها.
8تصميم أسئلة أو اختبارات أو تمارين تكوينية لمراقبة عملية تعلم الطلاب عن كثب.
9- الحفاظ على منهج وقتي متماسك وفقًا لمستوى التنظيم الذاتي للطلاب وقدرات ما وراء المعرفة، خاصة بالنسبة إلى الفصول الدراسية التي تعرض البث المباشر. ومن المفضل ألا تتجاوز وحدة طلاب المدارس الابتدائية 20 دقيقة، وألا تزيد عن 40 دقيقة لطلاب المدارس الثانوية.
10- إنشاء مجتمعات من المعلمين والآباء ومدراء المدارس لمعالجة الشعور بالوحدة أو العجز، وتسهيل مشاركة الخبرات ومناقشة استراتيجيات التأقلم عند مواجهة صعوبات التعلم.
ليس بديلأ..
التعليم عن بعد في الظروف الطبيعية هو خط موازٍ للتعليم المدرسي وليس بديلًا عنه إلا في اوقات الأزمات التي تضطر فيها البلاد لإغلاق المدارس؛ إذ أنه ورغم ميزاته الحقيقية في خلق عالم افتراضي ثري، إلا أنه يفتقد بالطبع لدرجة التفاعل التي يمارسها الطالب في مدرسته، إلى جانب الأنشطة، كما أنه يستند بالأساس لرعاية أبوية ذات حظ واف من التعليم خاصة في المراحل المبكرة للطلاب وهو ما يفتقده كثير منهم، وبعض هؤلاء تدريجيا سيكون التعلم المنزلي بوابته للتسرب وعدم العودة للدراسة، إلى جانب حرمان مناطق كثيرة في عالمنا من الخدمات التكنولوجية، وهو ما يجعل الاستناد إلى التعلم عن بعد وحده معضلة إذا لم تُسمع في الفصول أجراس!!