يشعر المعلمون حول العالم بالإنهاك، والخوف من مستقبلهم الغامض، أو أن قد يكون عصرهم يتلاشى لصالح التكنولوجيا الحديثة التي توصل التعليم للمنازل بفاعلية، تزامنا مع عزلة الطلاب في ظل انتشار الكورونا، ويظهر استطلاع مؤسسة راند عن مجمل عام 2020 أن ربع المعلمين قد فكروا بالفعل في تغيير مجال عملهم بعد أن شعروا بعدم جدوى استمرارهم!
يظهر الاستطلاع أن وباء كوفيد- 19 والتعليم الإليكتروني يتحملان قدرًا من تلك المسئولية عن قلق المعلمين؛ فنصف هؤلاء تقريبا قالوا أن ساعات عملهم تراجعت بشكل ملحوظ خلال السنوات الماضية، و80% منهم شعروا بأن دورهم قد انتهى، أو أصبح شكليا، وحتى قبل وباء كوفيد19 كان المعلمون في المدارس العامة يجاهدون لمواصلة عملهم في ظل تدني الأجور، وضغوط العمل، واضطرار معظمهم لأداء أعمال أخرى خارج وقت الدوام لضمان حياة مستقرة لأسرهم.([1])
وقد تحدث المعلمون بحسب الاستطلاع أن معظم المدارس لا توفر دليلا إرشاديا عمليا يمكنهم من التفاعل مع التعليم عن بعد وتطبيقاته الحديثة، وليس هناك غالبا تعويضا أو مكافأة عن ذلك يوازي المجهود المبذول فيه، وهذا محبط إلى حد كبير، خاصة إذا كان المطلوب تقديم تعليما متميزا وليس عاديا وفي ظل ظروف صعبة مثل كورونا.
وعلى الجانب الآخر يظهر الاستطلاع أن الطلاب المهمشين وأصحاب الاحتياجات الخاصة والفئات الملونة والأكثر فقرًا في مدارس أمريكا كانوا أكثر ميلًا للتعليم عن بعد وليس النظامي! باعتبار أن إحدى ميزات التعلم عن بعد، المساواة النسبية بين الطلاب، بالطبع إذا ما توافرت لديهم البنية التحتية والظروف المؤهلة لخوض هذا النمط من التعليم.
أما المدارس فيظهر الاستطلاع أن تحدي تأهلها لاستقبال الطلاب خلال وباء كورونا وتلقي التعليم وجها لوجه لا يمكن تجاوزه ولا يزال يشكل مخاطرة مع دخول الموجات الجديدة، وهو ما يدفع لتبني نمط هجين يخلط الشخصي بالإليكتروني ويجمع ميزاتهما في أوقات انتشار الوباء وتراجع حضور الطلاب.
وبحسب تقرير نشرته شبكة “أمريكا اليوم” استنادا لتقريرمؤسسة راند، فإن المعلمين لا يزالون يشعرون بقيمتهم من خلال الأعمال الروتينية مثل تصويب الواجبات وتسجيل الحضور، لكن الحقيقة أن دورهم لابد أن يدفعهم نحو أداء كفء وتفاعل أفضل مع الطلاب، والأهم هو حثهم على التعلم من المصادر المفتوحة وليس التلقين بالشكل القديم للمناهج، هكذا يشير “براينت” معلم سابق ومستشار لدى مؤسسة ماكنزي الدولية للاستشارات، مضيفًا أن التكنولوجيا تظهر كحل لتلك المشكلة، فهي تقوم بنحو 40% مما كان المعلمون يقومون به، وبينها الأعمال الروتينية، والتي كانت تلتهم ساعات طويلة، سيصبح بالإمكان اليوم تخصيصها لنشاط أكثر فاعلية مع الطلاب، سواء داخل الفصل أو من خلال التعلم عن بعد.([2])
وبشكل قاطع، لن يحل الروبوت محل المعلم، ولكن تبني الذكاء الاصطناعي AI داخل الفصل، يمكن أن يصبح وسيلة لخلق بيئة صحية لمعلمين سعداء وطلبة أذكياء حقًا.
إن هذا النمط الحديث يجعل المعلمين المشدودين والمنهكين أصحاب أداء مختلف ومميز عبر تبسيط مهامهم، وهذا ليس في المدارس فحسب بل في الجامعات أيضا، فمن خلال الذكاء الاصطناعي يتوفر وقت لدى المحاضر للتفاعل الشخصي مع طلابه وتبادل الحوار الفعال.
في عام 2016 ظهرت إرهاصات تلك التجربة عبر مؤسسة جورجيا لعلوم الحاسب، فقد استخدم البروفيسور أشوك جويل الذكاء الاصطناعي لتوفير المزيد من وقته وتبني نمط مساعد افتراضي للرد على الأسئلة الشائعة للطلاب، عبر تغذيته به مسبقا، من عينة متى سيكون الاختبار، وما المنهج المقرر فيه؟، يقول جويل: إن المعلمين يستهلكون أنفسهم في مهام متدنية بينما بإمكانهم الحصول على مساعد والتفاعل الفعّال مع طلابهم.
وتبدو ميزة الاهتمام بالتفاعل الشخصي واضحة مع الذكاء الحديث، كما يصبح بالإمكان مع المواد الأكثر تعقيدا مثل الرياضيات والعلوم أن تحظى بشرح مصاحب بالصور والميديا، وأن تتاح للطلاب التجارب والحل على نطاق أفضل، وعبر أساليب شيقة، مثل الفيديوهات التعليمية وأوراق العمل الملونة، مع فرصة لاستعادة ما فات من الدروس والتطبيقات.
يعين الذكاء الاصطناعي أيضا المعلمين على معرفة الجوانب التي ينبغي التركيز عليها، وكيفية توصيل المفاهيم بشكل أفضل وأسرع، ووضع جدول للمهام وتسليمها ووضع التقييمات، ولهذا يبدو أن المطلوب هو مزاوجة الماكينة والإنسان لأداء أفضل للمعلم والمتعلم، ويشرح المؤسس والمدير التنفيذي لـ”راج فالي” ان الأمر يشبه تعليم السباحة، لا يمكن أن تكون فعالة إلا بالقفز في الماء ثم الإشارة للاعب عمليا كيف يسبح وما هي أخطائه.
في مجال اللغات، تعين التطبيقات الذكية على تفاعل المتعلمين مع المعلم، لمزيد من الطلاقة اللغوية وتحسين النطق والقراءة والكتابة، هكذا يؤكد الرئيس التنفيذي لقطاع التعليم في ميكروسوفت، أنتوني سالسيتو، مؤكدا أن تطور القراءة يساعد المعلمين سريعا في تقييم الطلاب وتقدمهم، ويتم ذلك من خلال منصة ذكية لرقمنة أداء الطلاب في الكتابة.
إن الذكاء الاصطناعي لا يرفع فقط من كفاءة المناهج المقدمة للأفراد عن بعد، بل أيضا داخل الفصول، حيث يمكن تسكين الطلاب بحسب قدراتهم وكفاءتهم وليس أعمارهم بالشكل التقليدي.إنها بداية لعصر يصبح فيه التعلم رحلة وليس وجهة تقليدية، حيث سيصبح المعلم مبحرا في مصادر مفتوحة وليس مقدما لمنهج محدد، ويتيح له التفاعل الفعال مع الطلاب وتنمية صلته الشخصية بهم، هذا بالتحديد هو المطلوب.
:المصادر:
[1]Melissa Dilibert, Julia H: Will this school year be another casualty of the pandemic? key findings from the American Educator Panels Fall 2020 Covid-19 Surveys
https://www.rand.org/content/dam/rand/pubs/research_reports/RRA100/RRA168-4/RAND_RRA168-4.pdf
[2] Teachers are feeling burned out. Artificial intelligence can help.